إن الحياة مزيج من الحزن والفرح تتخللها فترات من اليأس ثم الغبطة، وبين لهيب المشاعر المتضادة والأحاسيس المتناقضة يجد الإنسان نفسه محاطا بكتلة من السواد الممتزج بشيء من البياض، ويظن أنه بين دفتين يصارع، وسرعان ما يصاب بالفشل العظيم، تتشتت حواسه، وتتضارب أفكاره، ويحقد على الحياة، ظنا منه أنها قد سيطرت عليه، ولكنه في الواقع مريض نفسي، يفكر بعقل نصفه
مصاب ونصفه صالح، هو لا يحاول أن يزهر أبدا بل يغوص مباشرة في ذلك القعر المظلم ويعانق السواد المحاط به، ثم يتشاءم ويكتئب متذمرا من الحياة
ولكنه يتلحف لحاف السعادة ما إن تهب عليه ابتسامة الحب فتنبض روحه لهذا الالتقاء وينجرف ضاحكا مستبشرا مفتخرا بتلك الحياة التي لطالما ذمها، ولكنه في الواقع ما يلبث إلا وأن يعود لموته الخانق، وأبدية الشعور بلعنة الحياة التي سلبت منه الحياة
إن إنسانا كهذا مريض حتما، يعاني تقلبات تقوده إلى مصير سيئ جَارًّا معه الحب بما فيه من نبض ليختار له الحزن ويظن أنه قد أسكنه فسيح السعادة، فقط لأنه يحب العتمة والسواد وكأنه قد أيقن في قرارة نفسه أن الحياة لا بدّ أن تكون سوداء لتُعاش، أو ربما قد استسلم يتناقض ورغبته.
إن الإنسان السوي يعلم تماما أن الحياة بنصفيها المتناقضين لا بدّ أن تعاش، ولكن الذين تحدثت عنهم في هذه الرواية يعانون أمراضا نفسية تسلب منهم الحياة، وتمنحهم لحظات لا تشبه لحظات البشر العاديين فتنفي أرواحهم إلى الهلاك المحتوم حينها فقط يشعرون بالسعادة ويشكرون الحياة